صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده

أمسح رمز الإستجابة السريع للصفحة

الحديث
الشرح
عرض الترجمات
من فوائد الحديث
التصنيفات
المزيد
عن أبي قتادة أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى عمر رضي الله عنه، غضبه، قال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه، فقال عمر: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: «لا صام ولا أفطر» - أو قال - «لم يصم ولم يفطر» قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: «ويطيق ذلك أحد؟» قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: «ذاك صوم داود عليه السلام» قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين؟ قال: «وددت أني طوقت ذلك» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله».
صحيح - رواه مسلم

الشرح

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (21/ 504) أي غضب - صلى الله عليه وسلم - من أجل قول ذلك الرجل، قال العلماء: سبب غضبه - صلى الله عليه وسلم - أنه كره مسألته؛ لأنه يحتاج إلى أن يجيبه، ويخشى من جوابه مفسدة، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه، أو استقله، أو اقتصر عليه، وكان يقتضي حاله أكثر منه، وإنما اقتصر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لشغله بمصالح المسلمين، وحقوقهم، وحقوق أزواجه، وأضيافه، والوافدين إليه؛ لئلا يقتدي به كل أحد، فيؤدى إلى الضرر في حق بعضهم، وكان حق السائل أن يقول: كم أصوم؟ أو كيف أصوم؟ فيخص السؤال بنفسه؛ ليجيبه بما تقتضيه حاله، كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم؛ والله أعلم، قاله النووي -رحمه الله- (1). قال القاري -رحمه الله-: وأيضا لم يكن صومه - صلى الله عليه وسلم - على منوال واحد، بل كان يختلف باختلاف الأحوال، فتارة يكثر الصوم، وتارة يقله، ومثل هذا الحال لا يمكن أن يدخل تحت المقال، فيتعذر جواب السؤال، ولذا وقع لجماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم سألوا عن عبادته لله تعالى، فتقالوها، فبلغة ذلك، فاشتد غضبه عليهم، وقال: "أنا أتقاكم لله، وأخوفكم منه" يعني ولا يلزم منه كثرة العبادة، بل حسنها، ومراعاة شرائطها، وحقائقها ودقائقها، وتقسيمها في أوقاتها اللائقة بها. انتهى (2). (فلما رأى عمر) بن الخطاب (غضبه) - صلى الله عليه وسلم - على السائل، وخاف من دعائه - صلى الله عليه وسلم - عليه خاصة، ومن السراية على غيره عامة؛ لقوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [الأنفال: 25] (قال) اعتذارا إليه، واسترضاء منه (رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد) - صلى الله عليه وسلم - (نبيا) قال القاري: المنصوبات تمييزات، ويمكن أن تكون حالات مؤكدات (نعوذ بالله من غضب الله، وعضب رسوله) - صلى الله عليه وسلم - وذكر غضب الله تزيين للكلام، وتعيين بأن غضبه تعالى يوافق غضبه - صلى الله عليه وسلم - (فجعل عمر يردد) أي يكرر (هذا الكلام) أي قوله: "رضينا بالله ربا ... إلخ " (حتى سكن غضبه) - صلى الله عليه وسلم - (فقال عمر: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ ) أي كيف حاله؛ أي هل هو محمود، أو مذموم؟ قال القاري -رحمه الله-: انظر حسن الأدب حيث بدأه بالتعظيم، ثم سأل السؤال على وجه التعميم، ولذا قيل: حسن السؤال نصف العلم. انتهى. (قال) - صلى الله عليه وسلم - ("لا صام، ولا أفطر") أي لا صام صوما فيه كمال الفضيلة، ولا أفطر فطرا يمنع جوعه وعطشه (أو) للشك من الراوي (قال: "لم يصم، ولم يفطر") قال في "شرح السنة": معناه الدعاء عليه؛ زجرا له، ويجوز أن يكون إخبارا، قال المظهر: يعني أن هذا الشخص كأنه لم يفطر؛ لأنه لم يأكل شيئا، ولم يصم لأنه لم يكن بأمر الشارع. انتهى. وهذا كحديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: "لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد"، متفق عليه، وقد تقدم. (قال) عمر - رضي الله عنه - (كيف من يصوم يومين، ويفطر يوما؟ ) بأن يجعل العبادة غالبة على العادة (قال) - صلى الله عليه وسلم - ("ويطيق ذلك أحد؟ ") بتقدير الاستفهام؛ أي أتقول ذلك، ويطيق ذلك أحد؟ قال) عمر (كيف من يصوم يوما، ويفطر يوما؟ ، قال) - صلى الله عليه وسلم - ("ذاك صوم داود") أي وهو في غاية من الاعتدال، ومراعاة لجانبي العبادة والعادة بأحسن الأحوال (قال) عمر (كيف من يصوم يوما، ويفطر يومين؟ ) إبقاء للبدن عن الضعف؛ ليتقوى على سائر العبادات (قال) - صلى الله عليه وسلم - ("وددت") بكسر الدال الأول، وأجاز بعضهم فتحها، وتقدم تمام البحث في ذلك؛ أي أحببت (أني) بفتح الهمزة؛ لوقوعها في موضع المفعول به (طوقت ذلك") ببناء الفعل للمفعول؛ أي جعلني الله مطيقا الصيام المذكور، وقال الطيبي: أي لم تشغلني الحقوق عن ذلك حتى أصوم، لا أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يطيق؛ لأنه كان يطيق أكثر من ذلك، فكان - صلى الله عليه وسلم - يواصل ويقول: "إني لست كأحدكم ... ". انتهى وددت أني طوقت ذلك"؛ أي: أقدرت عليه، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كانت عليه حقوق كثيرة لأهله مع كثرتهم، ولضيفانه، وأصحابه، وللناس خاصة وعامة، فكان يتوقع إن التزم ذلك أن يضعف عن تلك الوظائف أو بعضها؛ فيقع خلل في تلك الحقوق، فتمنى أن يقدر على ذلك مع الوفاء بتلك الحقوق، ويحتمل: أن هذا كان منه في أوقات مختلفة، ففي وقت كان يطيق فيواصل، وفي وقت يخاف الضعف ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بعد ذلك الجواب على جهة التفضل والتبرع من غير السؤال، من كل شهر) أي صيام ثلاثة أيام، قيل: هو أيام البيض، وقيل: من صام أي ثلاث يجد هذا الثواب، وهو الصحيح؛ لما تقدم من حديث عائشة - رضي الله عنها -: "لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم". (ورمضان) أي صيام رمضان من كل سنة، منتهيا (إلى رمضان أي ثلاثة أيام يصومها الرجل من كل شهر صيام الدهر كله. أرجو من الله أن يكفر، فوضع موضعه (أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده) قال النووي -رحمه الله-: معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر

من فوائد الحديث

  1. بيان استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وذلك كصيام الدهر ثوابًا.
  2. مشروعية الغضب للإمام أو المفتي إذا أساء السائل وجه السؤال.
  3. لم يكن غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل مسألة هذا السائل عن كيفية الصوم، وإنما كان غضبه؛ لأن السائل سأله قال: يا نبي الله كيف تصوم؟ قال: فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - استخباره عن كيفية صومه مخافة أن لو أخبره يعجز عن إتيان مثله، أو خشي - صلى الله عليه وسلم - على السائل وأمته جميعا أن يفرض عليهم ذلك، فيعجزوا عنه.
  4. بيان ما كان عليه عمر من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، وشدة خوفه من أن يغضب، فيغضب الله عز وجل لغضبه.
  5. النهي عن صوم الدهر.
  6. بيان فضل صوم عرفة، وأنه يكفر السنة الماضية، والآتية، وهذا لغير الحاج، وأما الحاج فيكره له صومه.
  7. بيان فضل صوم عاشوراء، وأنه يكفر السنة الماضية.

التصنيفات

تم الإرسال بنجاح